ماجد حسن علي*
بعد الاجتماعات واللقاءات والمناقشات المستفيضة حول تفاقم المشاكل التي تواجه الإيزيدية منذ فرمان ٣ آب ٢٠١٤، والبحث عن اليات عملية للتخفيف من معاناة المجتمع الايزيدي والمحاولة لوضع حلول منطقية للتعقيدات والانقسامات المجتمعية، فقد وجد عدد من المتخصصين والكفاءات الخيرة من رجال الدين، ومؤرخين وسيسيولوجين وقانونيين بضرورة إعداد دستور موحد كخطوة أولية ولوضع اللبنة الأساسية في تشكيل المؤسسات للإيزيدية بالاعتماد على الأعراف والتقاليد والأصول والثوابت والمتغيرات العقائدية الايزيدية.
وبناء على ذلك ومن اجل مأسسة وهيكلة المجتمع الايزيدي فقد بدا العمل على إعداد دستور منذ بداية عام ٢٠١٨، لاسيما بعد تفاقم المشاكل وازدياد التفكك الداخلي، والتنبه بعدم قدرة القيادات الايزيدية في مواكبة الاحداث والتطورات وسط ضغوطات إعلامية كبيرة وغياب او ضعف الإمكانات الإيزيدية لمواجهتها، ووصل الامر الى مرحلة حرجة لذلك فإذا لم يتم التحرك لتشكيل المؤسسات وأجراء إصلاحات شاملة وبناء كيان ايزيدي موحد على الصعيد العالمي قبل فوات الأوان، فان جميع المعطيات تشير الى توجه المجتمع الإيزيدي نحو التفكك المستمر والسريع وبالتالي الانحلال. وعليه ولوجود أول مؤسسة إيزيدية دينية معترفة على الصعيد القانوني في العالم وهو المجلس الاستشاري الروحاني الإيزيدي في جورجيا ذات التركيبة المؤسساتية، والذي كفل على عاتقه هذه المسالة كأول جهة ومؤسسة إيزيدية منظمة تعمل وفق منهاج ونظام داخلي، ومنه بدا أولى الخطوات حيث أرسل رسالة نصية الى سمو الأمير المرحوم تحسين بك في ١٨ آذار ٢٠١٨ حثه فيها بضرورة التحرك نحو وضع الدستور واجراء إصلاحات أساسية، ولتحقيق هذا الغرض أيضا جرت زيارات ومقابلات شخصية عديدة مع سمو الأمير في المانيا، لكن للأسف لم يحصل استجابة أو رد إيجابي لهذا الطلب.
مشروع الدستور:
ليس للإيزيديين دستور عام أو نظام داخلي مكتوب أو اليات إدارية مؤسساتية منظمة لإدارة شؤون الايزيدية في العراق والعالم، بل كان هناك نظام عرفي في إدارة الايزيدية تحت قيادة أمير الايزيديين، الا أنه ومنذ وفاة الأمير تحسين بك في ٢٨ كانون الثاني ٢٠١٩، طفرت الى السطح مسالة أزمة القيادة واختيار أمير جديد وذلك لعدم وجود نظام واليات دستورية، وبسبب ذلك لم يتم اختيار اميراً حتى الان لتولي المنصب، والكثير من التعقيدات والمشاكل التي تواجه الإيزيدية في الوقت الراهن من بينها قضية الضحايا الإيزيديات والأطفال، والتخبط في اصدار القرارات ماهي الا بسبب الفراغ في وجود نظام ودستور ومؤسسات ذات طابع شرعي.
لذلك ولحل هذه الإشكالية التي تمس حاضر ومستقبل الايزيدية وازدياد مخاطر انحلال وجوده تم إعداد دستور شامل وموحد لمأسسة الكيان الإيزيدي على الصعيد العالمي من قبل لجنة خاصة تكونت من عدد من المتخصصين من رجال الدين ومؤرخين وسوسيولوجيين وقانونيين تحت إشراف المجلس الاستشاري الروحاني الايزيدي في جورجيا. (جميع مراحل أعداد الدستور والمناقشات والبروتوكولات والمشاركين موثقة ومحفوظة).
بعد الانتهاء من إعداد مسودة الدستور بصيغته النهائية، تم تشكيل “لجنة المبادرة الإيزيدية لمأسسة المجتمع” وتم الاتفاق على أرسال وفد مؤلف من ممثلين من مختلف المنظمات والفئات الاجتماعية الإيزيدية لزيارة العراق للتباحث مع المعنيين في لالش، بهدف مناقشة الدستور وحل ازمة اختيار الأمير، لكن بعد الانتظار الطويل ولأسباب غير معلنة لم يتم وضع أرضية مناسبة لاستقبال وفد اللجنة المذكورة (كل هذه التحركات موثقة ومحفوظة وفق بروتوكولات منظمة)، عندها ومن أجل المصلحة العامة ولكي لا يتفاقم أوضاع الإيزيدية أكثر فأكثر، وكمحاولة بديلة لتقديم الدستور الى المعنيين فقد تم تشكيل لجنة خاصة جديدة وتم الاتفاق على ارسال وفد برئاسة رئيس المجلس الاستشاري الروحاني الايزيدي في جورجيا بمعية ممثل البيت الإيزيدي في اولدن بورك لزيارة العراق، فتمت الزيارة بتاريخ ٧/ ٤/ ٢٠١٩، وحمل الوفد مشروع الدستور المقترح لطرحه ومناقشته مع المعنيين في لالش، وبعد أسبوع كامل من اللقاءات والاجتماعات بين الوفد المذكور وبين أعضاء ومرشحي بيت الامارة والمجلس الروحاني الإيزيدي الأعلى ومستشاريهم، تم مناقشة اهداف الزيارة والإطار العام للدستور وهيكليته وأسس تطبيقه لاسيما اليات اختيار الأمير وإجراء الإصلاحات الشاملة من اجل مأسسة المجتمع الايزيدي وفق متطلبات العصر، وتمخضت عن تلك الاجتماعات الاتفاق بشكل بروتوكولي موثق في معبد لالش بتاريخ ١٤/ ٤/ ٢٠١٩، بين الطرفين (وفد اللجنة الخاصة وأعضاء من بيت الامارة والمجلس الروحاني الايزيدي الأعلى ومستشاريهم)، واهم ما جاء فيها:
- يقوم المجلس الروحاني وهيئته الاستشارية بتشكيل لجنة لدراسة المشروع الموما اليه.
- السقف الزمني لهذه الدراسة مدته شهرين فقط اعتباراً من تاريخ الاتفاق (١٤/ ٤/ ٢٠١٩).
- ولتحقيق هذا الغرض والبت في مناقشة الدستور والياته اتفق الطرفين على ان يكون ضمن اللجنة المقررة تشكيلها كل من (ماجد حسن علي) مرشحا من قبل اللجنة الخاصة، و(حاكم برجس، وسعيد خديدا) مرشحين من قبل المجلس الروحاني الاعلى.
ومنذ يوم عقد الاتفاق حتى الان فقد مضى نحو ١٧ يوم من المدة المقررة الشهرين، لكن لم يتم لحد الان استدعاء أعضاء اللجنة المزمعة تشكيلها لمناقشة الدستور المطروح، في الوقت التي تتفاقم فيها المشاكل التي تعصف بالإيزيدية يوما بعد يوم، آخرها مسألة القرارات الصادرة من المجلس الروحاني برئاسة وكيل الأمير الامر بين تاريخي الـ ٢٤ و٢٧ من نيسان ٢٠١٩، حول قضية استقبال الناجيات واطفالهم، الأمر الذي وضع المجلس الروحاني الأعلى في جدل مسالة عقائدية تتعلق باركان الديانة الإيزيدية، مما شكل ارتباكاً وانعطافاً خطيراً على الصعيد الإيزيدي والعالمي، ووضع شرعية إصدار القرارات محل الجدل والشكوك لدى الشارع الايزيدي العام قد تتسبب تبعاته المزيد من الانقسامات والانشقاقات والتشتت المجتمعي.
لمحة عن محتوى مشروع الدستور:
مشروع الدستور يتألف من ديباجة واثنا عشر فصل تنقسم على اثنان وستون مادة دستورية. وهو نظام شبه متكامل قابل للتطبيق ويضع اللبنات الأساسية لمأسسة المجتمع الايزيدي وبناء كيانه الروحاني الديني والدنيوي على الصعيد العالمي. يهدف الدستور الى ربط جميع الايزيديين في العالم بمعبد لالش بشكل مركزي ومن خلال تشكيل الكيان الايزيدي العالمي مؤسساتيا تماشيا مع متطلبات العصر من حيث الإدارة والتنظيم وإصدار القرارات التي تخص الايزيديين وقضاياهم المصيرية، عندها فأن الخطوة الأولى قد اتخذت كمبادرة لحل المشاكل.
مقترح المشروع يرشد الى تشكيل مؤسسات وهيكلية عامة منظمة لإدارة الايزيديين روحانيا دينيا وتنظيميا بشكل هرمي، ويدعوا في إطاره الى تشكيل مجلس دنيوي موازي يعمل تحت إطار الدستور العام للبت والتمثيل في الأمور الدنيوية وفق نظام داخلي خاص به. يراعي هذا الدستور الخصوصيات والأعراف والعادات وأركان الديانة الايزيدية الثابتة والاصيلة، وفي نفس الوقت يقدم مقترحات جدية لأجراء الإصلاحات في المتغيرات مع الحفاظ الاركان الدينية الأساسية.
وكما ذكر فأن الدستور يضع اليات تشكيل مجلسين الأول: المجلس الروحاني الإيزيدي الأعلى وهو مجلس ذات هرمية دينية، والثاني: المجلس الإيزيدي الدنيوي (يترك امر تشكيل المجلس الاخير الى فترة ما بعد تشكيل المجلس الأول). ففيما يتعلق الامر بتشكيل المجلس الروحاني الإيزيدي الأعلى الذي يتألف من: (١) أعضاء مجلس المرگەهـ الخاص بالعراق وإقليم كردستان والتي يتألف من عضوية كل من (الأمير رئيس المجلس، باباشيخ أختيار المرگەهـ وپيشيمام المرگەهـ، شيخي وزير، رئيس القوالين، پير، فقير، وآخرون يتم اضافتهم بقرار من مجلس المرگەهـ). (٢) المجلس الثاني هو مجلس الاختياريين داخل وخارج العراق ويتألف من الباباشيخ وبيشمام الباباشيخ وباباجاويش وعضوية جميع اختياري مناطق العراق وإقليم كردستان – الذين هم اختياريين لمناطق ولات شيخ واختياريين لشمال شنكال وقبلت شنكال -، واختياريين لاختيارگەهات محافل بلدان سوريا، وتركيا، قفقاسيا وبلدان الشمال، أوربا الغربية، أمريكا الشمالية، استراليا. والمجلس الروحاني الإيزيدي الأعلى سيكون برئاسة الأمير المنتخب وفق نظام التصويت التي وضعت الياته بنود الدستور بشكل ديناميكي. (تشكيلات ومؤسسات هذه المجالس ينص عليها بنود الدستور بالتفصيل).
مخطط توضيحي لمؤسسات هيكلية الكيان الايزيدي العالمي
ووفق بنود الدستور هناك شروط للوظائف والمؤهلات لكل مجلس من المجالس المذكورة وكذلك لكل منها نظام داخلي خاص به تعمل في أطار الدستور. في العراق وإقليم كردستان يمارس فيهما مجلس المرگەهـ دوره لإدارة شؤون الايزيدية وفق الخصوصية التاريخية للمرگەهـ هناك، بينما للاختيارگەهات أنظمتها الداخلية بما يتماشى مع خصوصية البلد التي تشكل فيها المحافل الايزيدية. كما وضع الدستور اليات واضحة لانتخاب أو عزل المخالف لبنود الدستور وفق إجراءات معينة وفي جميع مفاعل هيكلية الكيان الإيزيدي العالمي. وأيضا وضع الدستور شروط امام عدم إجازة القادة والروحانيين المعنيين في جميع مفاصل هيكلية الكيان الإيزيدي ومجالسه ومحافله بالانضمام في المنظمات السياسية. القرارات تتخذ بأكثرية الأصوات سوى في المجلس الروحاني الأعلى او في المجالس والمحافل الأخرى في القضايا الداخلية او قضايا الشأن الايزيدي العام. ويتضمن مواد الدستور الكثير من الاحكام والقواعد حول مسالة الاختيار والانتخاب ومسالة إدارة مصادر الأموال والممتلكات وغيرها من المسائل الهيكلية والتنظيمية.
وفي القضايا الاستثنائية هناك المؤتمر العام (الكونغرس) وهو الاجتماع الاستثنائي العام لجميع أعضاء المجلس الروحاني الإيزيدي الأعلى والمجلس الدنيوي الإيزيدي، الذي تعقد جلساته في الحالات الاستثنائية والطارئة مثل انتخاب الأمير، أو مناقشة القضايا الايزيدية المصيرية التي تتطلب اتخاذ القرارات بشأنها.
نشر الدستور:
في ظل استمرار الفراغ في شرعية منصب الأمير ومكانة المجلس الروحاني الحالي منذ وفاة الأمير، فانه من المؤمل أن يناقش المجلس الروحاني الموقر ومجلسه الاستشاري مقترح مشروع الدستور المتفق عليه بروتوكولياً في المدة المقررة (شهرين اعتبارا من ١٤ نيسان الى ١٢ أيار من هذا العام)، وأن يخطو خطوة إيجابية لقبول مضمون الدستور والبدء بحركة الإصلاحات الضرورية لمأسسة المجتمع الايزيدي، واختيار الأمير وتأسيس المجالس المذكورة في الدستور، لان خطر الانقسامات المجتمعية قد توسعت ووصلت الى ذروته، ويتجه الإيزيديون نحو مستقبل مجهول والجميع يتحمل مسؤولية تبعاته، وبناءً على المستجدات سوف يتم ينشر نص الدستور في وسائل الاعلام.
*ماجد حسن علي، دكتوراه في تخصص الأقليات الدينية في العراق، من جامعة بامبيرغ الألمانية، ايميل:majidhassan.ali@gmail.com