في رسالة ثانية إلى وزير البيشمركة مصطفى سيد قادر، جدد رئيس إقليم كردستان رفضه القاطع لتشكيل أي قوة من الإيزيديين في شنكال خارج مظلة وزارة البيشمركة. وقال بارزاني أنه “لن يسمح لأي قوة أن تتشكل في شنكال خارج قوة البيشمركة” واصفاً كل خطوة من هذا القبيل ب”المرفوضة واللاشرعية، ويجب أفشالها بإسرع وقت ممكن”. وجاءت رسالة بارزاني كرد على “قوة حماية شنكال” التي أعلنت مؤخراً، رسمياً عبر وسائل الإعلام، بأنها “قوة إيزيدية مستقلة لحماية مناطق الإيزيديين”. وجاء في أكثر من بيان وتصريح لقادتها أن “قوة حماية شنكال هي قوة إيزيدية ومظلتها هي العراق”، وأنّ “وجودها كقوة إيزيدية ضمن منظومة الدفاع العراقية لا يعني خروجها على البيشمركة، كما يريد البعض تصوير الأمر، أو خروجها على منظومة الدفاع الكردستانية، التي تعتبر جزءاً لا يتجزأ من منظومة العراق الدفاعية”.
وبحسب تصريحٍ لقائد “قوة حماية شنكال حيدر ششو، “يربو عدد قوتهم على ال3000 مقاتل، بينهم ألف مقاتل مسجّل يتقاضى الرواتب والإستحقاقات من بغداد على ملاك “هيئة الحشد الشعبي” تحت إسم “قوة الإيزيديين” التي ستتحول إلى “الحرس الوطني العراقي” بعد موافقة البرلمان على القرار، وهناك ألف مقاتل آخر تم رفع أسماءهم لتسجيلهم قريباً”.
أمر بارزاني لوزير البيشمركة ب”هدم” أو “إلغاء” أو “إفشال” هذه “القوة الإيزيدية” بحجة أنها “تشكل خطراً على الأمن الكردستاني”، وأن “البيشمركة هي القوة الوطنية الوحيدة التي لها الحق بحماية كردستان”، يعني بصريح العبارة أنّ هولير ستسعى بكل ما في وسعها ل”إعدام” هذه القوة عن بكرة أبيها، تحت أي حجة أو أي مسمى كان. والبداية ستكون من الإيزيديين أنفسهم المحسوبين على حزب بارزاني، ما يعني إدخال الإيزيديين في أتون “حرب داخلية” لضرب الإيزيدي بالإيزيدي، وضرب شنكال بشنكال، ليخرج الإيزيدي في المحصلة من مولد “مسرحية تحرير شنكال” كخروجه من “مسرحية احتلال شنكال” بدون حمّص.
والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة، ههنا، هو لماذا يعارض بارزاني أن تكون للإيزيديين في شنكال “قوة” خاصة بهم لحماية مناطقهم، خصوصاً بعد ما حلّ بالإيزيديين بعد الثالث من أغسطس الماضي وفشل البيشمركة في حمايتهم وحماية مقدساتهم وأعراضهم وأموالهم وممتلكاتهم؟
لماذا يعارض بارزاني “قوة حماية شنكال” تابعة لبغداد، علماً أن تاريخ تشكيل هذه القوة يعود إلى ما قبل الثالث من أغسطس الماضي، وأن حزب بارزاني رفض الفكرة من أساسها جملةً وتفصيلاً، وعارض تشكيل أي قوة إيزيدية من هذا القبيل تابعة للبيشمركة وهولير، بحجة أنّ “هناك أكثر من قوة كبيرة من البيشمركة والآسايش وملحقاتهما قوامها حوالي 16000 مستعدة للدفاع عن شنكال وعن الإيزيديين حتى آخر قطرة دم وآخر بيشمركة”، بحسب ما قاله سربست بابيري مسؤول فرع شنكال للحزب الديمقراطي الكردستاني الأسبق لششو، قبل سقوط شنكال بأيام.
وإذا كانت “قوات الحشد الشعبي” و”قوة الإيزيديين” هي “ميليشيا طائفية غير شرعية”، ترى لماذا وقف بارزاني مع تشكيل “جيش سنّي” قوامه 100 ألف جندي، ورعى مؤتمراً في هولير العاصمة بهذا الخصوص، حضره أكثر من ألف شخصية سياسية وعشائرية ودينية سنية، بينهم مطلوبون للعدالة العراقية، ويواجهون تهماً مختلفة منها “التعاون مع إرهابيين والتخطيط لجمات إرهابية”؟
لماذا كيل الأمور هكذا بأكثر من مكيال؟
بعد “مسرحية تحرير شنكال” مباشرةً أعلنت هولير على لسان أكثر من مسؤول رفيع المستوى وأكثر من قائد ميداني في البيشمركة، أن “المقاتلين الإيزيديين في جبل شنكال، الذين قاوموا داعش انضموا إلى قوات البيشمركة”، والآن نرى ذات القوة (قوة حماية شنكال) التي قيل أنها انضمّت للبيشمركة، تبرز تحت مسمى “قوة الإيزيديين” تابعة لبغداد، لتكشف زيف هولير للحقيقة وزيف إعلامها الذي طالما حاول قلب الحقائق في شنكال، وقلب كل حقيقة تمتّ إلى الإيزيديين بصلة، خصوصاً بعد “مسرحية احتلال شنكال” وتسليم هذه الأخيرة ل”داعش” خلال ساعات، بصفر مقاومة.
رفض بارزاني ل”تشكيل أي قوة خارج البيشمركة في شنكال” يعني أنه لا يزال يقرأ “شنكال ما بعد الفرمان ال74” بشنكال ما قبل الفرمان، لكنّ شنكال تغيّرت، والشنكاليون تغيّروا، والإيزيديون تغيّروا، وكردستان تغيّرت والعراق تغيّر، والعالم تغيّر، كما كتبنا من قبل.
بكلّ أسف ومرارة، إسم “البيشمركة” في شنكال وبين الشنكاليين بخاصة، وفي إيزيدخان وبين الإيزيديين بعامة لم يعد إسماً محبباً أو مرحباً به كما كان من قبل أيام “كردستان الجبل”. والسبب بات معروفاً للجميع، وهو انسحابها مع كامل منظومة الدفاع الكردستانية من شنكال، دون بيان هولير للأسباب والحقائق للرأي العام ومحاكمة أو محاسبة أي مسؤول حتى الآن.
الشنكاليون ما عادوا يثقون ب”البشمركة” لحماية مناطقهم، ولن يثقوا بأحد بعد ما حصل لهم، وهذه “اللاثقة” بالماحول وب”الآخر” التي يمكن قراءتها في وجه كلّ شنكالي هي نتيجة منطقية للفظائع وجرائم القتل وتقطيع الرؤوس والإعدامات الجماعية وخطف الأطفال وسبي النساء، وغيرها من الأهوال التي طالت الإيزيديين، ولا يزال حبل الفرمان على الجرّار.
كان من الممكن لبارزاني وهو الرئيس والقائد الأعلى للبيشمركة أن يعيد بعضاً من هذه الثقة بين الإيزيديين وهولير من جهة، وبينهم وبين البيشمركة من جهة أخرى، لو أنه وفى بوعده للإيزيديين ب”كشف الحقائق للرأي العام ومحاسبة كلّ المقصرين من قادة الميدان في شنكال”، كما صرّح أكثر من مرّة ولأكثر من وفد إيزيدي، إلا أنه لم يفعل، ولن يفعل لأسباب باتت معروفة للجميع، وهي أن “الفوق الكردي” من فوق فوقه إلى تحت تحته مسؤول عن “الإنسحاب” الدراماتيكي الشهير من شنكال، والذي سمي في حينه، على لسان أكثر من مسؤول وأكثر من مستشار مقرّب من بارزاني، ب”التكتيكي”!
بارزاني يعارض تشكيل أي قوة إيزيدية في شنكال وخارجها، ليس دفاعاً عن سلطة البيشمركة أو سلطة كردستان في شنكال، وإنما دفاعاً عن سلطة حزبه، الحزب الديمقراطي الكردستاني، الذي كان الحاكم الفعلي والوحيد في شنكال، منذ سقوط ديكتاتور بغداد في التاسع من نيسان 2003 إلى حين سقوط شنكال، والدليل هو ظهوره على جبل شنكال بعد عملية تحرير شمال شنكال، بدون صحبة أي مسؤول رفيع في البيشمركة أو الدولة خارج حزبه، وحديث للإعلام كرئيس لحزبه أكثر من كونه رئيساً لكردستان، وتحويل النصر في شنكال إلى نصر لحزبه وعائلته أكثر من كونه نصراً لكردستان.
بارزاني يعارض صعود أي قوة إيزيدية في شنكال وخارجها، لأنه يعلم علم اليقين وعينه أنّ بمجرّد تسليح 1000 مقاتل إيزيدي (والعدد إلى ازدياد)، خارج سيطرة هولير وحزبه، يعني أنّ الإيزيديين سيخرجون من “قمقم” هولير، وسوف يدخلون في لعبة الصراع ما بين بغداد وهولير، من باب العراق بإعتباره وطناً للجميع، وبإعتبار الإيزيديين جزءاً أصيلاً من هذا العراق مرّتين؛ مرّة بإعتبارهم عراقيين أصلاء وأخرى بإعتبارهم أكراداً أصلاء.
بارزاني يعارض بروز أي قوة إيزيدية في شنكال وخارجها، لأنه بمجرد وجود قوة إيزيدية مسلحة لحماية مناطقها، سيعني منافسة الإيزيديين لهولير وحزب بارزاني بالدرجة الأساس، بإعتبارهم أولى بحماية مناطقهم، خصوصاً بعد فشل البيشمركة الذريع في امتحان شنكال الأكبر. ما يعني سحب البساط من تحت أقدام هولير في بغداد، وبداية النهاية لمسرحية “الكرد الأصلاء” التي مسخت الإيزيديين في كردستانهم، وطنهم النهائي، إلى “دجاج كردي أصيل” تحت الطلب للبيض أو للذبح، لا فرق.
بارزاني يعارض “عسكرة” شنكال خارج مظلة البيشمركة، ويرفض منح الشرعية لأي “قوة إيزيدية”، لأنه يعلم كما تعلم هولير أنّ صعود “قوة إيزيدية مسلحة” وتغريدها خارج سرب هولير، سيعني صعود القضية الإيزيدية سياسياً، ما سوف يشكّل إحراجاً كبيراً لهولير، ليس في بغداد والمحافل الوطنية فحسب، وإنما أيضاً في المحافل الدولية.
بارزاني يعارض أي خروج إيزيدي على هولير بقيادة حزبه، لأنه يعلم تماماً أنّه سيمّهد لخروج إيزيدي أكبر عن “بيت الطاعة الكردية” في هولير، ما يعني خسارة هذه الأخيرة لواحدة من أهم الأوراق السياسية التي تمكنّها من اللعب بها في المحافل الدولية، ألا وهي “ورقة الأقليات” التي كانت الورقة الأساس، التي بها ربحت دعم العالم بعد الثالث من أغسطس الماضي، وقايضت دم شنكال بالسلاح الأميركي والأوروبي المتطور.
هوشنك بروكا