بقلم ميرزا حسن دنايي
حينما انطلقت فكرة عقد مؤتمر عن الابادة الجماعية والتطهير العرقي للايزيديين المسيحيين في العراق، تحمست كثيرا، وبشكل خاص لأن الفكرة لم تكن حكومية أو حزبية، بل طرحها الناشط حسو هرمي، وانضم إليه الناشط كامل زومايا، واستطاعوا ان يحصلوا على دعم ـحسب علمي ـ من السياسي الكلداني المخضرم سركيس اغاجان، أو احدى المؤسسات المدعومة من قبله ـ. وكان يفترض ان يضم عدد أخر من ناشطي المجتمع المدني من المكونين المسيحي والايزيدي، على مستوى كوردستان والعراق.
طلب مبادري هذا العمل، منا مشكورين، الاستئناس بالرأي واضافة أسمائنا الى قائمة المؤازرين ـ دون ان يكون لنا دور في موضوع التحضيرات والقرارات والامور اللوجستية التي كانت محصورة بالمبادرين انفسهم ـ.
ورغم وجود تحفظات رافقت تلك التحضيرات، التي خلقت بعض علامات الاستفهام، ولكنني فضلت هذه المرة ان انظر الى النصف الممتلئ من الكوب، لا النصف الفارغ. من منطلق واحد هو اهمية ان يتم عقد مؤتمر عن الابادة الجماعية في كوردستان، مهما كان نوعيته. فلا الحكومة ولا البرلمان ولا أية سلطة سياسية او حزبية كوردستانية او عراقية بما فيها اللجان او الهيئات الكارتونية هنا وهناك، كانت لتبادر الى هذه الخطوة. لذا كان يفترض بنا ان نشجع نشطاء المجتمع المدني للقيام بها، حتى لو كانت تشوبها بعض النقوصات.
هنا وقبل أن ادون ملاحظاتي ـ احسبها ذبحت المؤتمر وأفشلته ـ، اود ان اقييم عاليا جهود اعضاء اللجنة التحضيرية بدون استثناء، ومنهم اضافة الى أصحاب المبادرة، الاساتذة حسام عبدالله، مريوان نقشبندي، شيلان عبدالمناف، هادي جردو، نافين سموقي ـ مع الاعتذار اذا فاتني آخرين ـ. أما تحفظاتي فهي (حسب التوارد الزمني لا الاهمية الموضوعية):
١. حول البيان الأول:
أثار استهجاني تكرار عبارة ـ حصر السلاح بيد الدولة ـ في البيان الاول الذي أصدرته اللجنة التحضيرية رغم اعتراضي على تلك الجملة في هذا الموقع بالذات. هذا الاعتراض لا يعني أنني أؤيد وجود الميليشيات في العراق، ولكن الامر بدى وكأنه حق يراد به باطل. لأن هذه الميليشيات سواء الحشد الشعبي منها أوالصحوات ـمهما كان رأينا فيهاـ كانت درعا مهما لحماية الدولة من السقوط بيد داعش.
لهذا طالبت الاخوة بحذف هذه الفقرة من البيان الاول بإعتبارها طرحا ً نشاز بالنسبة لقضية الجينوسايد، فكان مبررهم أكثر نشازا، بحجة انهم كانوا يريدون ان يجاملوا العرب السنة، حتى يكون لهم حضور وتضامن مع المؤتمر.
ولكنني كنت واثقا أن السياسيين العرب السنة لن يحضروا المؤتمر، سواء على المستوى الرسمي او على المستوى المدني، وبإستثناء صديقي النائب مثال الالوسي، الذي يعتبر واحدا منا، وأنزه شخصية سياسية عراقية، لم يحضر حتى نائب سني واحد. وحتى رئيس البرلمان كان يفترض ان يرسل من ينوبه، فهذا لم يفعل….
السؤال هنا: البيان الاول ذهب وانتم تجاملون السنة؟ طيب، لماذا أصرت لجنة صياغة البيان ان تدون هذه الفقرة في البلاغ الختامي ايضا، وما المقصود بها؟!!!
٢. من الناحية الشكلية البروتوكولية:
تعرض الاخوة في قوة حماية سنجار للتهميش، ربما يكون غير مقصودا بسبب موقع جلوسهم في المرتبة الثانية، تسبب حرجا لهم. كان على اللجنة التحضيرية تلافي الامر، مع مراعاة مشاركة أهل سنجار بشكل اكثر فاعلية في مواضيع المؤتمر. بل ما زاد الطين بلة، ان اللجنة لم تراعي ممثل الديانة الايزيدية ـفي مثل هذه المناسبات، وكيل الامير حازم تحسين بك ـ، الذي حضر ولم يجد مكان يجلس فيه، فإضطر الى مغادرة الصالة بهدوء؟!!
هنا مايؤسف له ان فضائية روداوو، بدل ان تذكر كافة ملابسات انسحاب بعض الايزيدية من المؤتمر، جعلت السبب وكأنه من اجل الكرسي الامامي.
فضاعت الحقيقة، بين واقع بروتوكولي في كوردستان يفترض الأخذ به، ومطالب مشروعة كان يجب ان يتم مراعاتها من قبل اللجنة.
٣. من الناحية الموضوعية:
حينما سألني الاصدقاء في اللجنة التحضيرية، عن المحور الذي اريد إدارته، أصررت ان ادير المحور الخاص بدور المجتمع الدولي وقضية حماية الاقليات. وكان هدفي الاساسي من ذلك هو ان نوصل صوت ابناء الاقليات من سنجار وسهل نينوى، ـ خاصة بوجود هيئات دبلوماسية من سبعة دول رئيسية في التحالف الدولي ضد داعش ـ.
وهذا الصوت بإختصار: أننا إن أردنا تثبيت حقوق هذه الاقليات يتوجب تأسيس مناطق إدارة ذاتية فعلية، تشكل من أبناء هذه المناطق. في ظل توفير حماية أو ضمانات دولية على الاقل لمدى ٢٠ او ٢٥ سنة، لحين تثبيت السلام واسس الديمقراطية.
الغريب أن الاخوة في اللجنة التحضيرية لم يبلغوني بأسماء الشخصيات التي سأحاورها، رغم اتصالاتي المتكررة، حتى صباح انعقاد المؤتمر. وكان من حسن حظي ـ فقط ـ أن يكون ضيوفي الصديقين العزيزين البروفيسور كاظم حبيب، والاستاذ ويليم وردة، واللذان يشاركاني الافكار بهذا الخصوص. بل حتى تفاعل الجمهور الايجابي مع الموضوع كان واضحا….
وإذ بنا نجد أن البلاغ الختامي للمؤتمر لم يذكر اي شئ من هذا القبيل، فلم يطرح موضوع الحماية الدولية ولا الادارة الذاتية لا في توصيات المؤتمر ولا في المبادرات، حتى المطلب المتواضع لإخوتنا المسيحيين في المجلس الكلدني، بتشكيل محافظة في سهل نينوى، لم يتم إدراجه…
هنا السؤال الذي يفرض نفسه: لماذا تمت دعوتنا الى المؤتمر، ولماذا تطرح الافكار دون ان يتم مراعاتها….؟!!!
فلو كان القييمين على المؤتمر ممن يعملون أول تجربة، لكان سهل التبرير بعدم معرفة إصول كتابة البيان الختامي، الذي يتوجب ان يعكس كل محاور المؤتمر وأفكاره دون زيادة او نقصان، لأنه ليس معقولا أن يحضر خمسمئة مشارك، أعمال مؤتمر يومين متتاليين، وبعدها تجلس لجنة صغيرة في إحدى الدهاليز تعد بلاغ بإسم المؤتمرين، وتحذف المواضيع والافكار كما يروق لها؟!!
٤. من حيث المبدأ:
لقد فضلت أن انسحب من المؤتمر بهدوء في اليوم الاول بعد ان انتهت مشاركتي، وذلك لكي لا أسبب حرج للجنة، وأيضا بسبب وجود شخصيات اجنبية وممثلي البعثات الدبلوماسية الذين جاء معظمهم بحكم علاقتي وبعد التشاور معي، وكانوا متلهفين لكي يعرفوا ما سيطرحه أبناء الاقليات من مطاليب وطروحات، وأصابهم خيبة أمل حينما وجدوا أن التمثيل الحكومي والبرلماني ضعيف جدا، فعرفوا أن ليس لنا صاحب ولا صديق في السلطة العراقية.
٥. من حيث السياق:
كنت اتمنى ان ينجح المؤتمر، ويعبر عن تطلعات الناس، حتى لو لم يعبر عن تطلعات الايزيديين، كان يفترض ان يعبر عن تطلعات الاخوة المسيحيين ـالذين دفعوا مصاريفه ـ. لهذا السبب طلبت من اللجنة وعلى مدى يومين متتاليين ان يطلعونا على البلاغ الختامي، على الاقل أؤلاءك الذين كانوا يؤازرون المؤتمر، لكي نعطي رأينا، ولا داعي للإستعجال في إصدار البيان مثلما حصل في البيان الاول… ولكن للأسف الشديد، إطلعت على البيان بعد نشره!!
٦. من حيث الصياغة:
الغريب ـ حسبما علمت من احد السادةـ هو حضور أشخاص جدد اثناء صياغة البلاغ الختامي، أنضموا للجنة وكانوا يتدخلون في التفاصيل، في حين لم يكن لهم حضور سابق وأي دور في مرحلة الاعداد والتنسيق، عدا يوم المؤتمر؟!! وكأن المؤتمر سحب من ايدي مبادريه ايضا دون ان يكون هناك رادع!!!
٧.من ناحية الازدواجية السياسية:
الحقيقة الأكثر غرابة هو مشاركة السيدة فالا فريد في صياغة البلاغ الختامي، وهي رئيسة اللجنة القانونية في برلمان الاقليم. ورغم انها قانونية متمرسة ، ولكن استغرب مشاركتها وهي التي كانت احد الاسباب الرئيسية في منع صدور قرار الاعتراف بجينوسايد الايزيدية في برلمان كوردستان ـ هذا بشهادة رئيس البرلمان نفسه، الذي قال لوفد المؤتمر، ان السيدة فالا هي التي اشارت بالتريث في الاعتراف بجينوسايد الايزيديةـ؟!!
فما هذه الازدواجية إذن، ـمع احترامنا وتقديرنا للسيدة البرلمانيةـ، كيف أجلب شخص لايؤمن بوجود الابادة الجماعية ويعترض على الاعتراف بها في برلمان الاقليم، بينما يريد أن يشارك المغلوبين على أمرهم في صياغة بيان مفروغ من محتواه.
ليجعلوا منه بيانا عديم اللون والطعم والرائحة، أفضل مكان له ان يرمى في سلة المهملات، لكي يلتحق هذا البلاغ بكل كلمات المجاملة الفارغة التي يسمعها النازحين المنكوبين كل يوم من هذا وذاك، وهم الذين ماتوا حرا في الصيف ويتجمدون بردا في شتاء المخيمات القارس، ولا نعلم كم صيفا وكم شتاءا اخر سوف يمران دون بادرة أمل …!!!.
هانوفر في ١٧ فبراير ٢٠١٥